العقوبات الامريكية على المصارف العراقية: الاسباب والتداعيات على الاقتصاد العراقي
تشكل المصارف الثقل الرئيسي في قطاع المؤسسات المالية وتصنف بانها وسيطة، ويرتكز عملها على الودائع، وارباحها على فارق سعر الفائدة بين الإقراض والإيداع، وتشارك المصارف في النظام المالي الى جانب اسواق الأوراق المالية الأولية والثانوية. فبعد التغيير السياسي في عام 2003 أدى تحرير النظام المصرفي الى تطبيق آليات اقتصاد السوق والتي تضمنت تحرير النشاطات المصرفية والتوسع في اجازة المصارف وزيادة اعدادها والسماح للمصارف الاجنبية بفتح فروعا لها في البلاد، فضلا عن التوسع في فتح قنوات عديدة للتحويل المالي للخارج، الامر الذي اسهم في تهريب الدولار من خلال استغلال مزادات بيع العملة التي ينظمها البنك المركزي، وقد تطورت عمليات تسريب الدولار بشكل كبير خلال العقد الماضي الى الدول المجاورة وخصوصا الى ايران، ولما كانت هذه العمليات معروفة للولايات المتحدة الامريكية وتشكل انتهاكا للعقوبات المفروضة على ايران، فقد فرضت وزارة الخزانة الامريكية عقوبات على 14 مصرفا عراقيا يقوم بعمليات تحويل مالي الى ايران. ان تقصي جذور تلك المشكلة يكمن في ان هذه البنوك تقوم بإعادة بيع الدولار الذي تشتريه من البنك المركزي بالسعر الرسمي بسعر السوق والذي يفوق السعر الرسمي بشكل ملحوظ، او تهريبه للخارج عبر عمليات استيراد احتيالية تتم من خلال تحويلات مالية لا تقابل قيمتها، الامر الذي أدى الى استنزاف دائم للدولار في العراق، هذه الالية مكنت البنوك من تحقيق أرباح ضخمة من تعاملاتها بالدولار يوميا، وهذه الارباح لا تنتهي طالما هناك عمليات بيع وتسريب للدولار لدول الجوار، الامر الذي جعل من تجارة الدولار في العراق مصدرا للفساد المستشري في البلاد. ان تداعيات هذا العقوبات على هذه المصارف الاربعة عشر يكمن في منعها من التعامل بالدولار واستبعادها من مزاد بيع العملة، ومن الجدير بالذكر ان المصارف المحرومة من التعامل بالدولار الأمريكي سوف تتمتع بكامل حريتها في التعامل بالدينار العراقي، الامر الذي يدفعها الى التوجه نحو مزاولة عملها الأساسي وهو زيادة العمليات الائتمانية التي تقوم على تقديم القروض إلى القطاع الخاص والقطاع الحكومي. اما تداعيات العقوبات الامريكية بوقف نشاط بعض المصارف على الاقتصاد العراقي فقد بين البنك المركزي العراقي في تصريح له بانخفاض أثر العقوبات الامريكية على الاقتصاد العراقي على اعتبار ان اجمالي ما تمتلكه المصارف الأربعة عشر من أصول مصرفية لا تشكل سوى1.29% من اجمالي الأصول المصرفية في العراق، إضافة الى ذلك ان المصارف الممنوعة من عمليات التحويل لا تشكل طلباتها سوى 8% من مجموع التحويلات الخارجية. اما الارتفاع الذي حدث في أسعار صرف الدولار مقابل الدينار فيرجع ذلك الى قيام بعض المتعاملين (التجار) مع تلك المصارف المستبعدة بالتوجه نحو السوق الموازية وسحب كميات كبيرة من الدولار من اجل تمويل عملياتهم التجارية او لتهريبها للخارج، لكن البنك المركزي العراقي عمد الى فرض ضوابط أكثر صرامة على التحويلات المالية في البلاد بشكل عام وتعمل في نفس الوقت على تامين سلامة معاملات التحويل ودقتها. وبحسب أحدث البيانات يلاحظ ان المصارف الحكومية التي لم تتجاوز 7 مصارف قد أسهمت 81.2% من اجمالي الائتمان الممنوح للحكومة المركزية والمؤسسات العامة والقطاع الخاص مقابل 18.2% أسهمت به المصارف الاهلية العاملة في العراق، وبالتالي سوف يكون تأثير استبعاد هذه المصارف من التعامل بالدولار على الاقتصاد العراقي ضئيل جدا.