إجراءات بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي تجاه المصارف العراقية: الاسباب ومتطلبات حل الازمة
تزامناً مع القرار الأخير الذي اتخذته وزارة الخزانة الأمريكية بمنع (أربعة عشر) مصرفاَ عراقياَ من التعامل بالدولار الأمريكي والحوالات الخارجية. هذا القرار ليس الأول من نوعه فقد سبقته قرارات متعلقة بتحجيم الدولار داخل العراق، وبالرجوع إلى قرار الفدرالي الأمريكي ففي وقت سابق بنهاية عام 2022 أعلن الفدرالي عن وضع إجراءات مشددة على الحوالات المالية الخارجية عبر نظام “سويفت” وعدم الموافقة على طلبات التحويل الخارجية التي تقدمت بها المصارف العراقية، داعياً الى استخدام المنصة الالكترونية للتحويل الخارجي وفرض صرامة أكثر على نظام الحوالات المالية، مما سبب ارتفاع بأسعار صرف الدولار في السوق الموازي نتيجة زيادة الطلب عليه وبالتالي انعكس سلبياً على الاقتصاد العراقي وأدى الى ارتفاع أسعار السلع والخدمات ، بالرغم من استمرار البنك المركزي العراقي ببيع الدولار بالسعر الرسمي (1470) د.ع لكل دولار واحد، وبعدها منحت فترة سماح لمدة ( ستة أشهر) للمركزي العراقي لتصحيح الوضع المالي ووضع رقابة أكثر على نظام الحوالات الخارجية التي تمارسها بعض المصارف العراقية بحجة مكافحة غسيل الأموال وتهريب الدولار إلى عدد من الدول التي تخضع للعقوبات الأمريكية و أبرزها سوريا وايران وروسيا ولبنان.
“حلول ترقيعيه”
ومع طيلة فترة الأشهر السبعة المنصرمة من عام 2023 قامت الحكومة العراقية و البنك المركزي العراقي ببعض الحلول “الترقيعية” منها؛ قيام المركزي العراقي ببيع الدولار للمسافرين بالسعر الرسمي ولغاية (($ 5000 ، والقرار الذي اتخذته الحكومة العراقية بإعفاء محافظ البنك المركزي العراقي وتعيين العلاق بديلاً عنه وقرارها الاهم في شهر فبراير من العام الحالي الخاص بتخفيض سعر الصرف الدولار الى (1310) د.ع، وقيام الامن الاقتصادي وبتوجيه من الحكومة العراقية بمحاسبة وغلق عدد محدود من محال الصرافة التي تقوم ببيع الدولار بسعر أعلى من سعر الصرف الرسمي، والسماح بتحويل الدولار عبر المنصات والتطبيقات وبطاقات الدفع الالكترونية بالسعر الرسمي وغيرها من الإجراءات البسيطة الاخرى، الا إن هذه الخطوات لم تعالج المشكلة جذرياً، اذ استمرت أسعار الصرف بالارتفاع في السوق السوداء نتيجة تهريب العملة الى الخارج وتأثيره السلبي على أسعار السلع والخدمات محلياً والتي لم تستجيب للسعر الرسمي لصرف الدولار الذي اعلن عنه المركزي العراق في شهر فبراير من هذا العام .
ولم تسهم تلك الحلول والقرارات التي اتخذت من الحكومة والمركزي العراقي بحل المشكلة جذرياً الا بشكل بسيط، اذ انخفضت أسعار الصرف في السوق السوداء بشكل طفيف وظلت تتراوح بين مبلغ (1450 -1500 د.ع) مقابل الدولار الواحد بعد ان وصلت الى ما يقارب (1700 د. ع) وبقيت أسعار الصرف تخضع للمضاربات، ولم تمتثل لسعر الصرف الرسمي.
“مخاطر محتملة”
وفي ظل استمرار النهج الحالي للحكومة العراقية والبنك المركزي العراقي في الاستجابة والتعامل الضعيف مع الازمة؛ نعتقد ستواجه البلد مخاطر جمة منها؛ استمرار تقلب أسعار الصرف وارتفاعها مستقبلاً والذي سيؤثر سلباً على السوق المحلية لاعتمادها كلياً على الاستيراد، ولعدم استجابتها للسعر الرسمي الذي أعلنت عنه الحكومة والمركزي العراقي ،والتحذير من مخاطر الارتفاع المستمر لسعر الصرف الدولار مقابل الدينار مما قد يصل الى نقطة اللاعودة والتسبب بانهيار للعملة المحلية كما حدث في فنزويلا ولبنان بالتزامن مع حزم القرارات التي ستتخذها السياسة الامريكية لتتبع عملتها وضمان عدم وصولها الى الدول التي تفرض عقوباتها عليها واهمها إيران وروسيا وسوريا، وربما تعاود أسعار الصرف الدولار بالارتفاع في الأسواق السوداء عن السعر الرسمي الى ما يقارب (1700) د.ع للدولار الواحد، نتيجة الطلب المستمر عليه.
“حلول مقترحة”
وإذا ما أردنا ان نعالج المشكلة جذرياً ينبغي ان تتخذ حلول ناجعه آنية ومستقبلية نابعة من إرادة قوية من الإدارة العليا والمسؤولين عن السياسة المالية والنقدية للبلد؛ منها ان تبدأ محاسبة حقيقية للمصارف والصيرفات التي تقوم ببيع الدولار بسعر أعلى من السعر الرسمي وتشريع قوانين سريعة وجوهرية، تجرم هكذا افعال وتعرض مرتكبيها للمساءلة القانونية تصل “للحبس مع غرامة مالية مجحفة” بحق المخالف، لكون تلك الأفعال تستهدف الاستقرار لاقتصاد للبلد وتستنزف العملة الصعبة وتلقي بظلال سلبية على حياة وقوت المواطنين، وكذلك العمل على تهيئة قاعدة صناعية للسلع المهمة كالأدوية والصناعات الغذائية و الانشائية، من أجل تقليل الطلب على الاستيرادات وبالتالي خفض الطلب على العملة الصعبة، والحل الأهم “والأنجع” الا وهو الغاء مزاد بيع العملة وسحب الرخصة من بعض المصارف والصيرفات التي تمثل “دكاكين بيع العملة” ولم تؤدي الهدف الرئيس الذ تسعى الأنظمة المصرفية لتحقيقه ولم تسهم في تنمية الوضع الاقتصادي للبلد، “والاعتماد على نظام الاعتمادات المستندية لتسديد الأموال خارجياً“، فضلاً عن أمور أخرى سيأتي التعرض لها تباعاً تتعلق بإصلاح النظام المصرفي في العراق ووضع أنظمة الحوكمة الالكترونية وتمكين اشخاص من ذوي الاختصاص والخبرة في إدارة هذه القطاعات المهمة.
الباحث: مرتضى عبد الزهرة خنجر
yamehdye84@gmail.com