تعد الصناديق السيادية ظاهرة ليست بالجديدة على الساحة المالية العالمية، حتى وإن عرفت نموا سريعا في نهاية القرن العشرين وبدايات الألفية الثالثة. فقد شهد الاقتصاد العالمي في بداية العقد الاول من القرن الحالي تطورا سريعا لتلك الظاهرة وظهورها كمنافس للهيئات المالية العاملة على مستوى الأسواق المالية العالمية من حيث الأصول المدارة. لذلك حرصت الكثير من الدول النفطية والتي تمتلك موارد طبيعية على تنويع مصادر تمويلها من خلال استحداث اليات جديدة للتمويل بديلة عن مصادر التمويل الخارجية وذلك بإنشاء صناديق خاصة بغية استغلال الفوائض المالية التي تحققت خلال اوقات ارتفاع اسعار النفط، واستغلال هذه الموارد التي يتسم اغلبها بقابلية النضوب في استثمارات مالية وبرامج تنموية، فهي صناديق استثمار ذات غرض خاص تملكها الحكومة وتتولى توظيف اموالها أو ادارتها لتحقيق أهداف مالية، مستخدمة في ذلك استراتيجيات استثمارية تتضمن الاستثمار في الأصول المالية الأجنبية. وتعمل صناديق الثروة السيادية على تحقيق أهداف متعددة، فهي تعد من مصادر التمويل الضخمة.
وعلى غرار تجارب دول الخليج في انشاء صناديق الثروة السيادية يمكن انشاء صندوق سيادي للعراق يقوم على تخصيص جزء من اجمالي عوائد النفط وايداعها في صندوق يعمل على استثمار امواله من خلال مجموعة واسعة من الادوات الاستثمارية المالية العالمية، ليستوعب أهداف التنمية والاستقرار والادخار والاستثمار، اذ يمكن للصناديق السيادية أن تسد الفجوة بين حاجات نمو الاستثمار وتقليص الاعتماد على الموارد المالية الخارجية، فضلا عن ان صندوق العراق السيادي يمكن ان تستثمر امواله في مشاريع البنى التحتية والاستثمارات الانتاجية ليمارس دور المستثمر الخارجي على وفق اعتبارات الكفاية بعيدا عن اطر الموازنة العامة، اضافة الى ان انشاء صندوق سيادي في العراق خطوة ايجابية يمكن الاستفادة منها لدعم استقرار الاقتصاد الوطني، وتوفير مصدر تمويل مستدام لمختلف السياسات والبرامج التنموية. وهناك من يقترح بضرورة انشاء صندوقين يتضمن الاول صندوق وديعة عائدات النفط العراقية والذي يقوم بتوزيع عوائده بشكل مباشر على المواطنين من خلال تخصيص نسبة تصل الى 25% من العائدات، اما الثاني فيتضمن صندوق يقوم بتخصيص وتوزيع جزء من العوائد النفطية على الادارات المحلية والاقليمية وفقا لعدد السكان. ان تطبيق هذا النموذج يمكن أن يسهم في تحقيق مزايا سياسية واقتصادية من شانها تطوير الصناعة النفطية جراء الضغط السياسي الذي يولده المواطنون الحاصلون على هذه المدفوعات، كما ان الدخول المنتظمة الناجمة عن توزيع حصص النفط على المواطنين، سوف تعمل على فسح المجال لتطوير أسواق الائتمان وذلك عن طريق السماح للأفراد بالاقتراض من البنوك بضمانة الدخل المتأتي من حصص النفط، يضاف الى ذلك ان استمرار الحكومة العراقية بتوزيع الثروة النفطية سوف يساعد في تحقيق الاستقرار السياسي والتخفيف من ضغط الانقسامات والنزاعات الايدلوجية والطائفية والعرقية التي تميز الوضع الراهن. واخيرا يمكن لهذا الصندوق ان يضبط ايرادات الحكومة ومن ثم تخفيف هيمنتها على الاقتصاد.